ما الحكمة من تكرار قوله تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان 31 مرة ؟ ومن المخاطبين فى هذه الآية الشريفة
إذاً: هذه كلها نعم جسام؛ لأن الله هدد العباد بها استصلاحاً لهم ليخرجوا من حيز الكفر والطغيان والفسوق والعصيان إلى حيز الطاعة والإيمان والانقياد والإذعان, فإن من حذر من طريق الردى وبين ما فيها من الأذى وحث على طريق السلامة الموصلة إلى المثوبة والكرامة كان منعماً غاية الإنعام ومحسناً غاية الإحسان، ومثل ذلك قوله: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [يس:٥٢] يعني:
هذا فيه مناسبة الربط لذكر صفة الرحمة في ذلك المقام، يعني: نفس المناسبة في ذكر ما يقع من العذاب والأهوال، فلا يستغرب أنه وعد بالعذاب وبيان عذاب المشركين وفي نفس الوقت يوصل إلى الرحمن.
أما قوله: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)) ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)) فأين النعمة في هذا الخبر؟ نقول: هذا تذكير بالموت والفناء، وفيه ترغيب في الإقبال على العمل لدار البقاء، وفي الإعراض عن دار الفناء.
وقال البغوي: كررت هذه الآية في واحد وثلاثين موضعاً تقريراً للنعمة وتأكيداً للتذكير بها، ثم عدد على الخلق آلاءه، وفصل بين كل نعمتين بما نبههم عليه ليفهمهم النعم ويقررهم بها، كقول الرجل لمن أحسن إليه وتابع إليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها, فيقول له: ألم تكن فقيراً فأغنيتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملاً فعزرتك؟ أفتنكر هذا؟ ومثل هذا الكلام شائع في كلام العرب.
وقال في الدرر والغرر: التكرار في سورة الرحمن إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعددة، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها وبخ على التكرير كما يقول الرجل لغيره:
ألم أحسن إليك بأن خولتك في الأموال؟ ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا؟ فيحصل فيه التكرير, وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم، كقول مهلهل يرثي كليباً:
اضغط على رقم 4 لقرائة المزيد.