قصة اللسات المقطوع الجزء الأول
استيقظ أبو أحمد كعادته صباح كل اليوم على صوت المؤذن …كان الظلام ما يزال دامساً… فقد نسيت أم أحمد أن تملأ خزان مصباح الكاز فانطفأ باكراً .. هذا ما كان يفكر فيه أبو أحمد وهو ينهض من فراشه متثاقلاً …
التفت الى زوجته الراقدة بجانبه : لقد تعودت على الاستيقاظ المتأخر.. إنها لم تعد تقوم لتأدية صلاة الفجر بوقتها منذ أن ألم بها مرض المفاصل اللعين …..
خرج الى المطبخ ليتوضأ وعندما عاد الى الغرفة شاهد أم أحمد تفرك عينيها ومعالم الانزعاج بادية على وجهها وهي تتمتم بكلمة أعوذ بالله ….أعوذ بالله …
قال لها ما بك يا أم أحمد فردت عليه : لا شيء … لا شيء … قل خيراً إن شاء الله وبعد إلحاح أجابت : لقد رأيت مناماً وحشاً فانقبضت نفسي … لقد شاهدتك
يا أبا أحمد وأنت تهم بالسفر ولما أردت السفر معك نهرتني وقلت لي بصوت قاس ابقي في البيت فسأذهب وحدي ولا أريدك معي .. وخرجت مسرعاً وحاولت الامساك بك
ولكنك دفعتني عنك بشدة وأوقعتني على الارض .. نهضت وركضت خلفك وأنا أصرخ : أبا أحمد لا تدعني وحدي … لا تتركني … كنت أركض بسرعة ولكني لم أتمكن من اللحاق بك .. ثم رأيتك تغوص في الارض وكنت أصرخ عليك ولكنك لم تلتفت الي …
لماذا لم ترد علي يا أبا أحمد ؟؟ اني أكاد أموت اذا تركتني .. رد عليها : اطمئني يا أم أحمد لن أتركك أبداً إن شاء الله… الأولاد تركونا وشرد ذهنه الى الاولاد..
أحمد تزوج وأصبح له ولدان … إنه يعمل في البلدة المجاورة …الله يرضى عليه فهو ولد مرضي .. يزورهما كل يوم جمعة … لقد دعاهما للعيش معه ولكنهما لم يستطيعا ترك البيت الذي عاشا فيه …
أما سمير فقد سافر لمتابعة الدراسة .. إنه ولد عنيد … لقد حاولا أن يثنياه عن السفر ولكنه لن يأبه لدموع أمه .. انه يريد أن يصبح طبيباً … الله يوفقه ..
أما هدى ومديحة فكل واحدة أصبح لديها دستة أولاد … لم تكونا تزورانهما الا في الشهر مرة … الله يسعدهما ….
صحى من شروده وقام للصلاة بينما اندست هي بالفراش ..
أنهى أبو أحمد صلاته ثم أطفأ ضوء اللوكس واندس الى جانب أم أحمد وقبل أن يستولي عليه النوم أحس وكأن شخصاً يقف فوق رأسه .. هب فزعاً وهو يصرخ : من أنت ؟؟ ماذا تفعل هنا ؟؟
لكنه لم يستطع أن يكمل حديثه اذ أحس بطعنة حادة تمزق احشاءه…
استيقظت أم أحمد وفتحت عينيها وشاهدت أبا أحمد يتكور على الارض وفوقه شبح رجل ينهال عليه بالطعنات فصرخت به : اترك أبا أحمد .. يا ظالم .. لن أدعك تأخذه مني ورمت نفسها فوق زوجها…..
انهالت الطعنات عليها .. وحاولت المقاومة… لكن سرعان ما انهارت مقاومتها وتشبثت بأبي أحمد بقوة ولفظت أنفاسها الأخيرة وهي تتمتم : خذني معك أبا أحمد…..
جلس القاتل فوق صدر أبي أحمد وجز عنقه من الوريد الى الوريد ولما تأكد من موته فتش أنحاء الغرفة وأخذ ما طالته يداه من مال و مجوهرات وهرب ……
جلس القاتل فوق صدر أبي أحمد وجز عنقه من الوريد الى الوريد ولما تأكد من موته فتش أنحاء الغرفة وأخذ ما طالته يداه من مال و مجوهرات وهرب ……
وفي الصباح جاء أحمد وهو يحمل معه الحلوى … فوالدته تحب الحلوى كثيراً … طرق الباب طرقات خفيفة وانتظر أن تسرع أمه لفتح الباب … ولكن أحداً لم يجيب رغم انتظاره دقيقتين ….
طرق الباب بشدة واستمر يطرق الباب بطرقات متلاحقة … بدون فائدة ..انها الساعة الثامنة والنصف … لابد أن مكروهاً قد حدث ……. طرق باب الجيران وسألهم عن والديه ولكنهم اجابوا أنهم لم يروهما خارجين من البيت ….
دفع أحمد الباب واستطاع بمساعدة الجيران أن يحطمه وركض فوراً الى غرفة نوم والديه …. وهناك رأى منظراً جمد الدم في عروقه …كان والداه ممدين على الارض وسط بركة من الدماء …
لم يتحمل المشهد فسقط مغشياً عليه … حمله بعض الجيران الى الغرفة الثانية واتصلوا برجال الشرطة الذين حضروا بسرعة بعد أن اتصلوا بدورهم بقاضي التحقيق ….
أغلق رجال الشرطة باب الغرفة ومنعوا الناس من الاقتراب وبدأوا باستجواب الأشخاص الذين شاهدوهم في مكان الحادث ….
وصل قاضي التحقيق يرافقه الطبيب الشرعي … وباشرا عملهما …
قام الطبيب بالكشف عن الجثتين وجاء بتقريره أنه لدى معاينة جثمان المغدور تبين اصابته بجروح في أنحاء متعددة من جسمه منها جرح نافذ في البطن أدى لتمزق الأحشاء .. وآخر اخترق الكبد وجرح عرضاني في الرقبة أدى لقطع الأوردة الدموية الرئيسية …
وشوهد جزء من اللسان مقطوع بسكين حاد … وأنه لدى معاينة المغدورة شوهدت جثتها مثخنة بالجراح وكان مجموعها أكثر من خمسة عشر جرحاً معظمها في الظهر …أحدهما اخترق الرئة اليسرى ونغذ الى القلب….
ولاحظ القاضي أن يدي المغدورة لا تزال متشبثة بثياب المغدور زوجها … وبفحص الغرفة شاهدهامقلوبة رأساً على عقب … كان واضحاً أن السرقة هي هدف الجاني أو الجناة …
ولكن الجاني لم يترك أي أثر يدل عليه … فلم تعثر الأدلة القضائية على أية بصمات غريبة … ولم تشاهد آثار العنف على الأبواب فيما عدا التحطيم الناجم عن كسر الباب الخارجي ……
استيقظ أحمد من اغمائه وذكر للقاضي أنه فوجئ بعدم رد والديه وقد شعر أن مكروهاً حدث لهما .. وأن والديه مسالمان لا يعرف لهما عدواً .. وليس هناك ما يغري بالسرقة فكل ما يملكانه لا يتعدى المئات من الليرات واسوارة ذهبية قديمة بيد والدته …
فكر القاضي كثيراً ووضع احتمالين … إما أن هدف الجريمة هو السرقة وهذا يعني أن السارق لا يعرف الكثير عن أوضاع المغدور … أو أن هناك أهدافاً أخرى ….
ولكن ماذا يمكن أن يكون الدافع للجريمة ؟؟؟ فالمغدوران عجوزان .. وقد أفاد الجوار وأقاربهما أنهما حسني المعشر ولا يوجد لهما أعداء…..
كما تبين أن القاتل قد مثل بجثة المغدور و قطع لسانه … اذاً لا بد أن هدف المجرم كان التخلص من المغدور وأن السرقة للتمويه …وأن المغدور قد أذاه بلسانه فلا يوجد تفسير آخر لقطع اللسان….
وقادته التحقيقات الى معرفته بوجود خلاف بين ابنة شقيقة المغدورة وزوجها حسين أدى بهما للطلاق … وأن المغدور كان قد انتصر لقريبة زوجته وشجعها على ترك زوجها …..
استدعي المشتبه به .. فتبين أنه قد غادر البلدة الى جهة مجهولة منذ الليلة السابقة .. وأفادت والدته أنه…يتبع